الأربعاء، 22 أبريل 2015

قساوتنا فيها حب وقساوتهم كلها حقد‮!‬

ما تزال تعاليق بعض القراء والمتابعين على ما نكتب ونقول في‮ ‬وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي،‮ ‬تثير فينا الشفقة على أصحابها،‮ ‬الذين نتفهّم تخوفهم وحرصهم على مكاسبهم حتى ولو كانت بسيطة،‮ ‬ونتفهم حرص بعضهم الآخر على استقرار وطنهم،‮ ‬اعتقاداً‮ ‬منهم بأن الاختلاف في‮ ‬الرأي‮ ‬وانتقاد الأوضاع ومعارضة بعضنا للبعض الآخر ستؤدي‮ ‬لا محال إلى التذمر،‮ ‬وهو ما‮ ‬يهدّد الاستقرار؛ مثلما تسوّق له السلطة والموالون لها من الذين‮ ‬يتهموننا بإثارة الفتنة والفوضى،‮ ‬وبأن أطرافًا خارجية تحركنا،‮ ‬وقد وصل الأمر ببعضهم إلى اتهامنا بالانقلاب على ما‮ ‬يعتبرونه شرعية‮! ‬

هؤلاء البسطاء الذين‮ ‬يخافون على وطنهم سنظل نشفق عليهم ونتفهم ردود فعلهم،‮ ‬ونشدّ‮ ‬على أيديهم ونبعث فيهم الأمل،‮ ‬ولكننا لن نرضخ لتهديدات وإغراءات أولئك الذين اغتصبوا الإرادة الشعبية،‮ ‬وانفردوا لوحدهم بتقرير مصير وطن من حجم الجزائر،‮ ‬بعقلية إقصائية جهوية انتقامية حاقدة،‮ ‬مسيئة للرجال والمؤسسات،‮ ‬وسنستمر في‮ ‬مواجهتهم بقلوبنا وعقولنا،‮ ‬وألسنتنا وأقلامنا،‮ ‬وبكل الوسائل الديمقراطية والفكرية والحضارية التي‮ ‬لا‮ ‬يؤمنون بها‮!‬
صحيح أننا نبدو قساة على أنفسنا وعلى بعضنا بعض،‮ ‬وقساة في‮ ‬انتقاداتنا أحياناً،‮ ‬لكن قساوتنا تنبع من حرصنا على أن نكون أفضل،‮ ‬وليس كرهاً‮ ‬لغيرنا أو حقداً‮ ‬عليهم؛ لأن الأب الذي‮ ‬يقسو على أولاده أحيانًا،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكرههم أو‮ ‬يحقد عليهم،‮ ‬وقساوتنا نابعة من‮ ‬غيرتنا على وطننا الذي‮ ‬نريده أن‮ ‬يكون في‮ ‬مستوى تضحيات أجدادنا،‮ ‬وفي‮ ‬مستوى قدراتنا وتطلعات أبنائنا الذين بدؤوا‮ ‬يشعرون بالملل ويفقدون الثقة والأمل في‮ ‬كل شيء بعدما اكتشفوا الأكاذيب الكثيرة التي‮ ‬أطلقها دعاة الاستمرارية‮. ‬
قساوتنا فيها كثيرٌ‮ ‬من الحب والأدب والاحترام للوطن وللرجال والمؤسسات،‮ ‬ولكن قساوتهم فيها كثيرٌ‮ ‬من الحقد والكراهية والإقصاء،‮ ‬ونابعة من ضعف أصحابها وإخفاقاتهم في‮ ‬إدارة شؤون دولة بحجم الجزائر،‮ ‬لا‮ ‬يدركون أنها صارت أكبر منهم؛ بعدما بلغ‮ ‬بهم الأمر درجة لا مثيل لها،‮ ‬فيصنع فشلها وتراجع مكانتها في‮ ‬كل المجالات،‮ ‬حتى صارت صغيرة في‮ ‬نظر أبنائها وفي‮ ‬أعين العالم الذي‮ ‬تحوّلت الجزائر بالنسبة إليه مجرد رقم لا‮ ‬يؤثر في‮ ‬المعادلة السياسية والاقتصادية والرياضية العالمية‮. ‬
قساوتنا لم تقدنا إلى التهور على الرغم من كل الإساءات،‮ ‬ولكن قساوتهم امتزجت بالتطرف والإصرار على المضي‮ ‬بالوطن نحو الانسداد والتخلف،‮ ‬ما سيقودنا إلى التطرف في‮ ‬انتقادهم ومعارضتكم،‮ ‬ويقودنا إلى السعي‮ ‬بالطرق السلمية لتجنيد أبنائنا وتوعيتهم بمخاطر استمرار المنظومة القائمة في‮ ‬مواقعها تمارس التضليل والتحايل وكل أشكال النهب والابتزاز‮.‬
قساوتهم فيها تضييق على الحريات وتهديد لاستقرار الوطن،‮ ‬وقد تصل إلى الخيانة العظمى لأرواح الشهداء،‮ ‬وأصوات الناخبين الذين منحوهم ثقتهم،‮ ‬ولكن قساوتنا فيها وفاء للوطن والمبادئ،‮ ‬والتزام بالأخلاق والقيم،‮ ‬وحرص على الحفاظ على معنويات الناس،‮ ‬وأمن وسلامة الشعب والوطن،‮ ‬على الرغم من أنها من مسؤولياتهم السياسية والتاريخية‮. ‬
وشتان بين قساوتنا وقساوتهم‮.‬
مهما فعلوا بنا،‮ ‬إلا أننا سنبقى نتحلى بقدر كبير من المسؤولية والالتزام،‮ ‬على الرغم من أن مسؤولية الحفاظ على توازن المجتمع وتنشئة الجيل الصاعد على ثقافة التنوع والاختلاف تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها التي‮ ‬يجب أن تقوم على احترام حقوق الناس وحرياتهم مهما كانت انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية،‮ ‬ولا تقوم على الإقصاء والتخوين والإصرار على الخطأ والدفع بالأوضاع إلى الانفجار،‮ ‬ليقولوا لنا بأنه لا مفر منهم،‮ ‬ولا استقرار ولا تنمية من دونهم،‮ ‬وبعدهم سيحل بنا الطوفان‮! ‬
مختلف تجارب التاريخ علمتنا بأن حبل الكذب قصير،‮ ‬والتاريخ لا‮ ‬يرحم،‮ ‬وسيكتب‮ ‬يوماً‮ ‬بأن قساوة ألسنتنا وأقلامنا كانت أرحم من قساوة طغيانهم وعنادهم وإصرارهم على الإساءة لهذا الوطن‮!‬

0 comments

إرسال تعليق